على امتداد 12 يومًا من يوليو 2025، اشتعل الساحل السوري بنيرانٍ حوّلت الجبال إلى جحيم مفتوح. أكثر من 15 ألف هكتار من الغابات احترقت، وآلاف السكان نزحوا مجددًا عن قراهم وبلداتهم، وسط ظروف ميدانية قاسية ومخاوف من كارثة بيئية غير مسبوقة.
الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، أحد أعضاء مجلس إدارة منبر منظمات المجتمع المدني، كان في طليعة المستجيبين، إلى جانب وزارة الطوارئ والكوارث بقيادة الوزير رائد الصالح، عضو مجلس إدارة المنبر كذلك.
“كانت ملحمة حقيقية… سيطرنا على الحرائق بعد جهود متواصلة ليلًا ونهارًا“، صرّح بها الوزير الصالح، مؤكدًا أن السيطرة على الحرائق لم تكن ممكنة لولا تعاون أكثر من 150 فريقًا ميدانيًا، و300 آلية، و16 طائرة شاركت في عمليات الإخماد بدعم من دول صديقة.
صور الأقمار الصناعية ترسم حجم الكارثة
كشفت صور أقمار صناعية حصلت عليها قناة الجزيرة عن حجم الضرر الذي خلّفته الحرائق في الساحل السوري، خاصة جنوب غابات الفرنلق في ريف اللاذقية، حيث أُتلف أكثر من 10 آلاف هكتار من الغطاء النباتي في أيام قليلة. وأظهرت خريطة وكالة “ناسا” (FIRMS) استمرار اشتعال ثلاث بؤر حرائق نشطة في المناطق الجبلية.
وبحسب وكالة “سند” للتحقق، فإن البيانات الحرارية وصور الدخان أكدت امتداد النيران في مواقع متباعدة يصعب الوصول إليها، وسط تضاريس وعرة ومنحدرات خطرة.
مشاركة إقليمية غير مسبوقة
شهدت الاستجابة مشاركة عربية ودولية لافتة، حيث انضمت فرق من تركيا والأردن ولبنان والعراق إلى جهود الإطفاء. وأعلنت السلطات أن عدد الطائرات المشاركة ارتفع إلى 20 طائرة، منها 6 طائرات أرسلتها قطر (3 إطفاء و3 إغاثية) برفقة 138 عنصرًا من الدفاع المدني القطري، في دعم مباشر لجهود الإنقاذ.
وقد وجّه الوزير الصالح شكره إلى دولة قطر، مؤكدًا أن “قطر أثبتت مجددًا وقوفها الصادق إلى جانب الشعب السوري، من الإغاثة الطارئة إلى دعم التعافي وإعادة البناء.”
هل كانت الحرائق مفتعلة؟
رغم تأكيد الحكومة السورية عدم وجود أدلة كافية على فرضية الحرق المتعمد، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي شهادات وادعاءات تعزز الشكوك. بعض الصور التي تم تداولها حملت عبارات مثل “الأسد أو نحرق البلد“، وهو ما أثار صدمة واسعة.
ميدانيًا، تحدث مشاركون في عمليات الإطفاء عن مؤشرات “غير طبيعية”، مثل اندلاع حرائق متباعدة بمسافة تتجاوز 3 كيلومترات، وتصاعد دخان أسود في بدايات الحريق يشير إلى وجود مواد نفطية.
التحديات الميدانية: نار… ورياح… وألغام
عضو مجلس إدارة الدفاع المدني، أحمد يازجي، أشار في تصريحات صحفية إلى أن طبيعة المنطقة الجغرافية، المتمثلة في الغابات الكثيفة والوديان والمنحدرات، ساهمت في صعوبة الإطفاء، إلى جانب تغير اتجاه الرياح بشكل مفاجئ. كما استخدمت فرق الإطفاء آليات ثقيلة لفتح طرق في أماكن تحتوي على مخلفات حرب قد تنفجر بفعل الحرارة.
ما بعد النار… موسم التشجير
رغم الخسارة الهائلة، سادت حالة من الامتنان والارتياح بين السكان، بعد أن أعلن الدفاع المدني وقف امتداد النيران على كافة المحاور. في هذا السياق، يؤكد منبر منظمات المجتمع المدني أن مرحلة ما بعد الإطفاء هي الأهم، وتتمثل في:
- إطلاق مبادرات لتشجير المناطق المتضررة.
- بناء منظومة استجابة مدنية مستدامة.
- تدريب المجتمعات على الوقاية من حرائق الغابات والتعامل معها.
- المطالبة بتحقيقات شفافة حول أسباب الحريق لتجنّب تكرارها.
تحية للأبطال
يحيّي منبر منظمات المجتمع المدني كافة الأفراد والجهات التي ساهمت في إخماد حرائق الساحل السوري، وفي مقدّمتهم الخوذ البيضاء، ووزير الطوارئ رائد الصالح، وكافة المتطوعين والشركاء الدوليين.
لقد أثبتت هذه الأزمة أن العمل المدني هو درعٌ يحمي حياة الناس وأرضهم ومستقبلهم.