المقدمة:
تشكل الجنسية التركية الرابط القانوني، الذي يمنح حامليها حقوق المواطنة ويفرض عليهم واجباتها، بما في ذلك حقوق التملك، العمل، التنقل بحرية داخل تركيا وخارجها، والاندماج الكامل في المجتمع. ومع تزايد عدد الأجانب المقيمين في تركيا ورغبتهم في الانضمام إلى المجتمع التركي بشكل رسمي، ازدادت التساؤلات حول طرق اكتساب الجنسية وأسس فقدانها أو إلغائها، ومنها الجنسية الاستثنائية. نستعرض في هذا المقال المعايير العامة لاكتساب الجنسية التركية، بما يشمل طرق الحصول على الجنسية الاستثنائية للأجانب ذوي المهارات الخاصة، ونتناول أيضًا الحالات التي قد تؤدي إلى سحب أو إلغاء الجنسية مع تحليل الدعوى القانونية التي رفعها حزب “الجيد” لإلغاء جنسية السوريين.
الجنسية الاستثنائية في تركيا:
تتيح تركيا الفرصة للحصول على الجنسية الاستثنائية للأجانب الذين يُعتقد أنهم قد يساهمون بإضافة قيمة استثنائية وكبيرة في مجالات مختلفة، بما في ذلك:
الصناعة والعلم: مثل العلماء والخبراء الدوليين العاملين في قطاعات تسعى تركيا إلى تطويرها باستمرار.
التكنولوجيا والاقتصاد: للمبتكرين والمستثمرين القادرين على إحداث تأثير اقتصادي إيجابي وتعزيز النمو الاقتصادي.
الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية: بما يشمل الشخصيات الفنية والرياضية ذات السمعة الدولية، التي تعكس صورة إيجابية وتحقق التأثير في المجتمع.
يُمنح هذا النوع من الجنسية بقرار من رئيس الجمهورية التركية، وذلك بعد تقديم اقتراح مبرر من الوزارات المختصة وفقًا لإسهامات المرشح أو الإمكانات المستقبلية التي قد يقدمها للمجتمع التركي.
إلى جانب الجنسية الاستثنائية، هناك طرق أخرى لاكتساب الجنسية، إلا أنها أقل شيوعًا وغير ذات صلة بهذا الموضوع، لذا لن يتم التطرق إليها هنا.
اكتساب الجنسية التركية:
يمكن للأجانب الحصول على الجنسية التركية بقرار من الوزارة إذا استوفوا شروطًا معينة، وتشمل هذه الشروط العامة ما يلي:
- العمر والصحة العقلية: أن يكون المتقدم قد بلغ 18 عامًا وأن يتمتع بسلامة عقلية.
- مدة الإقامة: أن يكون قد أقام في تركيا لمدة خمس سنوات متواصلة.
- النية في الاستقرار: يجب أن يُظهر المتقدم، من خلال تصرفاته، نيته في الاستقرار في تركيا.
- السلامة الصحية: أن يكون خاليًا من الأمراض التي قد تشكل تهديدًا للصحة العامة.
- السمعة والسلوك: أن يتحلى المتقدم بالأخلاق الحميدة.
- التحدث باللغة التركية: أن يكون قادرًا على التحدث باللغة التركية بشكل كافٍ.
- القدرة المالية: أن يمتلك مصدر دخل أو مهنة تتيح له إعالة نفسه وأسرته (في حال وجودها) داخل تركيا.
- الأمن القومي والنظام العام: ألا يشكل المتقدم تهديدًا للأمن القومي أو النظام العام في تركيا.
مع ذلك، فإن استيفاء هذه الشروط لا يمنح المتقدم حق الحصول على الجنسية تلقائيًا، حيث يخضع الطلب للفحص والمقابلة من قِبل لجنة مختصة، والتي قد تقرر رفض الطلب إذا رأت مبررات لذلك. إلى جانب هذه المعايير العامة، هناك طرق أخرى خاصة لاكتساب الجنسية سيتم استعراضها بإيجاز أدناه.
امتلاك العقارات واكتساب الجنسية التركية:
يمكن للأجانب الحصول على الجنسية التركية عن طريق التملك العقاري، ولكن هذا الأمر يتطلب صدور قرار خاص من رئيس الجمهورية. ورغم وجود إمكانية الحصول على الجنسية التركية من خلال التملك العقاري، إلا أن السوريين يواجهون تحديات قانونية تعيقهم من امتلاك العقارات بشكل مباشر، ويعود هذا الحظر إلى ترتيبات قانونية تم اتخاذها بعد انضمام ولاية هاتاي إلى تركيا عام 1939. حينها، صادرت سوريا ممتلكات المواطنين الأتراك داخل أراضيها، وردت تركيا بتطبيق مبدأ “المعاملة بالمثل”، ومنعت السوريين من امتلاك العقارات في تركيا.
بسبب هذا الحظر الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم، لا يستطيع السوريون امتلاك العقارات بشكل مباشر في تركيا، ما يحرمهم من فرصة اكتساب الجنسية عبر الاستثمار العقاري المتاح للأجانب من جنسيات أخرى.
اكتساب الجنسية التركية عن طريق الزواج:
الزواج من مواطن تركي لا يضمن الحصول على الجنسية تلقائيًا. مع ذلك، يمكن للأجنبي التقدم بطلب للحصول على الجنسية إذا استمر الزواج لمدة ثلاث سنوات على الأقل. يجب أيضًا إثبات استمرارية الزواج بنية العيش المشترك واستيفاء بعض الشروط الأخرى التي تشمل التأكد من عدم تشكيل الأجنبي تهديدًا للأمن القومي والنظام العام التركي.
فقدان الجنسية التركية:
تُعتبر التشريعات الخاصة بفقدان الجنسية التركية من القوانين الحاسمة التي تتناول حالات مثل سحب الجنسية، إلغاء الجنسية، والطرد منها. وتهدف هذه القوانين إلى حماية المصالح العليا للدولة، بينما تسلط الضوء أيضًا على التزامات المواطنين.
إضافةً إلى هذا، تصدّرت قضية فقدان الجنسية التركية مشهد النقاشات القانونية في تركيا، حيث رفع حزب “الجيد” دعوى أمام محكمة أنقرة الإدارية ومجلس الدولة في 1 تشرين الأول\أكتوبر 2024، مطالبًا بإلغاء جنسية 238 ألف سوري ممن حصلوا على الجنسية التركية. وسنستعرض هنا التشريعات المتعلقة بفقدان الجنسية، مع التركيز على الإطار الدستوري والقانوني وتحديد حالات فقدان الجنسية وفقاً لأسباب خاصة.
فقدان الجنسية في الدستور التركي:
تنص المادة 66 من الدستور التركي على أن “الجنسية تُكتسب وفقًا للشروط المحددة في القانون، ولا يمكن فقدانها إلا في الحالات التي يحددها القانون. ولا يمكن تجريد أي تركي من جنسيته ما لم يقم بأفعال تتعارض مع الولاء للوطن”. تضع هذه المادة أساسًا دستوريًا يحدد الإطار العام لفقدان الجنسية، مع حماية خاصة لمبدأ الولاء الوطني، حيث لا يمكن إسقاطها إلا بناءً على أسباب تقتضيها المصلحة الوطنية.
سحب الجنسية التركية:
وفقًا للمادة 29 من قانون الجنسية التركية، يجوز سحب الجنسية بقرار من رئيس الجمهورية في الحالات التالية:
- العمل لصالح دولة أجنبية في خدمة تتعارض مع مصالح تركيا: يمكن سحب الجنسية من الأفراد الذين يعملون لصالح دولة أجنبية في مناصب تُعتبر متعارضة مع المصالح الوطنية التركية. ويشترط القانون إرسال إخطار رسمي لهؤلاء الأفراد يطالبهم بالتخلي عن هذه الخدمة خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، سواء كانوا في داخل أو خارج تركيا.
- العمل لدى دولة معادية: يتم سحب الجنسية من الأفراد الذين يخدمون طوعًا ودون إذن من رئيس الجمهورية في أي مناصب لدولة تكون في حالة حرب مع تركيا.
- الخدمة كجندي في دولة أجنبية: الأشخاص الذين يخدمون طوعًا كجنود في جيش دولة أجنبية دون إذن يُعدون أيضًا عرضة لسحب جنسيتهم التركية.
وتنص الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أن الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم تهدد وحدة الدولة وسلامة أراضيها، أو اعتداء على الدستور، أو الاغتيال أو الهجوم الفعلي على الرئيس، أو جرائم ضد السلطة التشريعية أو التنفيذية، أو الانتماء لجماعات مسلحة، والذين لا يمكن الوصول إليهم بسبب وجودهم خارج البلاد رغم استدعائهم من خلال إعلان في الجريدة الرسمية للعودة إلى تركيا خلال ثلاثة أشهر، يمكن سحب جنسيتهم بقرار من رئيس الجمهورية.
إلغاء الجنسية التركية:
يعد إلغاء الجنسية التركية إجراءً رسميًا يتم بناءً على أسباب محددة وواضحة في قانون الجنسية التركي، ويستند إلى حالات معينة تمس صدق المعلومات المقدمة خلال عملية الحصول على الجنسية. وتأتي هذه الإجراءات وفقًا للمادتين 31 و32 من القانون، وتحدد مسارًا واضحًا لحالات الإلغاء.
إلغاء الجنسية بسبب تقديم معلومات غير صحيحة:
تنص المادة 31 من قانون الجنسية التركية على “إذا كانت قرار اكتساب الجنسية التركية قد تم بناءً على تصريح كاذب أو إخفاء حقائق أساسية تتعلق بتحقيق الجنسية، يُلغى القرار من قبل الجهة التي أصدرته”، وبالتالي يمكن إلغاء قرار منح الجنسية إذا تبين أنه تم بناءً على “تصريح كاذب أو إخفاء حقائق أساسية” تتعلق بمتطلبات الحصول على الجنسية. يتم إلغاء القرار من قبل الجهة التي أصدرته. وبحسب المادة 32 من نفس القانون، فإن “قرار الإلغاء يكون نافذاً من تاريخ اتخاذه ويطبق كذلك على الزوج\ة والأبناء الذين اكتسبوا الجنسية التركية بناءً على قرار الفرد المعني.
إلغاء قرار اكتساب الجنسية بناءً على تكرار أو عدم استيفاء الشروط:
تنص المادة 40 من قانون الجنسية التركية على أنه “إذا تبين لاحقاً أن قرار اكتساب الجنسية التركية أو فقدانها قد صدر دون توافر الشروط القانونية أو بشكل مكرر، فإنه يُلغى”.
الحق في الطعن على قرارات الإلغاء:
تعتبر قرارات إلغاء الجنسية أو اكتسابها من الإجراءات الإدارية التي يمكن مراجعتها أو الطعن فيها. بموجب المادة 66 من الدستور التركي وتنظيمات الجنسية التركية، يمكن للأفراد المتأثرين بقرار إلغاء جنسيتهم الطعن في هذا القرار عبر رفع دعوى قضائية، نظرًا لأن قرارات الإلغاء تُعد من الإجراءات الإدارية التي يمكن إلغاؤها إذا ثبت عدم قانونيتها.
التقييم القانوني لدعوى إلغاء جنسية اللاجئين السوريين التي رفعها حزب “الجيد”:
تفتقر الدعوى التي رفعها حزب “الجيد” لإلغاء جنسية اللاجئين السوريين إلى الأساس القانوني لعدة أسباب، نستعرضها فيما يلي:
- الدستور وسيادة القانون:
وفقًا للدستور التركي والتشريعات ذات الصلة، يتم اكتساب أو إلغاء الجنسية وفقًا للإجراءات القانونية المنصوص عليها. ويُعد سحب الجنسية بطرق تعسفية انتهاكًا للحقوق والحريات الأساسية للأفراد، حيث تُعتبر الجنسية حقًا مكتسبًا لا يُسحب إلا بمبررات قانونية قائمة على أدلة ملموسة. وادعاءات حزب “الجيد” المستندة إلى الأمن القومي والنظام العام تُعد غير مبررة وتفتقر إلى الأدلة اللازمة. فالقرارات الشاملة التي تعتمد على اتهامات عامة غير مثبتة تتعارض مع المبادئ القانونية وتعد انتهاكًا لمبدأ سيادة القانون.
- القانون الدولي وحقوق الإنسان:
من منظور دولي، تعتبر الجنسية جزءًا من حقوق الإنسان الأساسية، وحرمان الأفراد منها يُعد خرقًا لمبادئ حقوق الإنسان. تمنح الاتفاقيات الدولية، كالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الحماية لمنع إلغاء الجنسية دون أساس قانوني. وبذلك، فإن إلغاء الجنسية على نطاق واسع دون مسوغ قانوني يُعد انتهاكًا واضحًا لمبادئ حقوق الإنسان والحماية الدولية التي تكفلها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
- المبادئ القانونية العالمية:
يؤثر إلغاء الجنسية مباشرةً على الحقوق المدنية والسياسية للأفراد، ويفرض تحديات على مبدأي المساواة واليقين القانوني. وفقًا لهذه المبادئ، يجب معاملة جميع المواطنين على قدم المساواة، وبالتالي فإن إلغاء الجنسية بشكل جماعي بحق مجموعة معينة يُعتبر تمييزًا ويؤدي إلى فقدان الحقوق المكتسبة المرتبطة بالجنسية وغيرها من الحقوق المكتسبة.
- الاندماج والمصلحة العامة:
يُعتبر اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي ركيزة لتعزيز التماسك الاجتماعي وتحقيق المصلحة العامة. والجنسية تُعد خطوة طويلة الأمد لتمكين اللاجئين من المشاركة الفاعلة في المجتمع التركي، حيث تمنحهم الحقوق والمسؤوليات التي تعزز من اندماجهم. وتُشكل الجنسية عنصرًا أساسيًا للمصلحة العامة في إطار التعايش السلمي والاندماج الاجتماعي، لذا فإن إلغاءها على نطاق واسع يُعد عائقًا أمام هذه الأهداف ويضر بالانسجام المجتمعي. ويُعتبر مبدأ ملاءمة المصلحة العامة حماية قوية ضد إلغاء الجنسية على نطاق واسع.
- الرقابة على مشروعية الإجراءات الإدارية:
يجب أن تخضع الإجراءات الإدارية للرقابة القانونية فيما يتعلق بالاختصاص والشكل والسبب والغاية. إن الجنسية التي مُنحت للاجئين السوريين تمت وفقًا للأصول وللإجراءات القانونية المعمول بها، ومن هنا ينبغي أن ترفض محكمة أنقرة الإدارية ومجلس الدولة هذه الدعوى لعدم استنادها إلى خلل في إجراءات اكتساب الجنسية.
- المساواة وحظر التمييز:
تنص المادة 10 من الدستور التركي على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، وهو ما يُلزم الدولة بمعاملة الجميع بشكل متساوٍ ومنع أي شكل من أشكال التمييز. إن دعوات حزب “الجيد” لإلغاء جنسية فئة معينة من اللاجئين السوريين تمثل انتهاكًا لهذا المبدأ، وتؤدي إلى تمييز مجتمعي غير مشروع. إن التركيز على إلغاء جنسية السوريين وحدهم يشكل إساءة استخدام لمبدأ المساواة، ويمثل تمييزًا غير مبرر، ما يشير إلى غياب الأساس القانوني لهذه الدعوى.
وبناءً على ذلك، فإن للسوريين، كغيرهم من الأجانب، الحق في الحصول على الجنسية التركية وفقًا للقانون. ويُعد أي طلب لإلغاء الجنسية المكتسبة قانونًا، بناءً على اتهامات عامة غير مدعومة بأدلة، مؤشرًا على سوء النية وخرقًا لمبدأ المساواة الدستوري.
إصرار حزب “الجيد” على إلغاء الجنسية المكتسبة قانونيًا، خاصةً عند التركيز على السوريين دون غيرهم، يُظهر تمييزًا واضحًا وقد يؤدي إلى تطبيق تمييزي في قضايا الجنسية، وهو ما يتعارض مع المبادئ الدستورية الأساسية. مثل هذه القرارات قد تؤدي إلى مخاطر قانونية من حيث التمييز، إذ أن سحب الحقوق المكتسبة من أفراد ينتمون إلى مجموعة معينة بشكل تعسفي يعد خرقًا لمبدأ حظر التمييز كأحد المبادئ العالمية للقانون، ويعتبر مخالفًا للقانون.
خاتمة:
إن مسألة اكتساب الجنسية وفقدانها ترتبط بأبعاد قانونية وإنسانية، ويستوجب الأمر الحفاظ على حقوق الأفراد المكتسبة وفقًا للأطر القانونية. تُعد الدعوى التي رفعها حزب “الجيد” لإلغاء جنسية السوريين غير مبنية على أسس قانونية، حيث تتعارض مع مبادئ الدستور والقانون الدولي والمصلحة العامة. وتعزز هذه التحديات من أهمية الدفاع عن سيادة القانون والحرص على تطبيق مبادئ العدالة والمساواة في حماية مكتسبات المواطنين كافة، بغض النظر عن أصولهم أو خلفياتهم.